إنتشار العدالة
وكما تعلمون فإنّ عصر الظّهور هو عصر العدالة ، بحيث لاتبقى فيه أيّ علامة أو أثر من آثار الظلم والإستبداد، وترفع وتزول عنه كلّ نقيصة وحاجة وكلّ أنواع الفقر والعوز الّتي فرضت على الإنسانيّة من قبل المستكبرين ؛ بل تتعدّى ذلك لتعطى كلّ ذي حقّ حقّه، وهذه الحقائق جاءت على لسان أهل البيت عليهم السلام.
وعندها ستهتزّ وترفرف رآية العدالة على المعمورة كلّها ، ويرفع الظلم الجاثمّ على صدور المظلومين، وتظلّل الحكومة العادلة للإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه برحمتها الإلهيّة على رؤوس الإنسانيّة أينما كانت.
وهذه الحالة تأخذ أبعاداً شموليّة ، فتدخل الأجهزة والدوائر الحكوميّة والأسواق والشّوارع والمتاجر وحتّى داخل البيوت ضمن دائرتها ، ويعمّ العدل في مفاصلها ، ويتّسع العالم إلى كلّ شيء ماخلا الظلم والإستبداد.
ويكون مثل العدالة فيه مثل الطاقة العظيمة الّتي لها القابليّة على الإنتشار في كلّ البيوت ، ولهذا فإنّ العصر الوحيد الّذي تعمّ العدالة فيه هو عصر الظّهور ، وعصر تجلّي حكومة الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه ؛ فكما أنّ الحرارة والبرودة تدخل إلى جميع زوايا البيت ، فإنّ عدالة الإمام المنتظر عجّل اللَّه تعالى فرجه تدخل في جميع الأماكن ، وذلك بواسطة قدرة عظيمة غير معروفة .
يقول الإمام الصادق عليه السلام في خصوص هذا الموضوع :
... أما واللَّه ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرُّ والقرُّ .(6)
هنا يقفز إلى الأذهان سؤال هو : كيف يمكن للعدالة الإنتشار على الصعيد العالمي ، وتبسط آثارها وتمحو الظلم والإستبداد كما تنتشر الطاقة والحرارة في إحدى الغرف ؟ وإذا كان النّاس في عصر التّكامل لهم أوصاف تشبه إلى حدّ ما أوصاف الناس في زماننا الحاضر ، فهل يمكن للعدالة أن تحكم في كلّ مكان؟ وتكون قادرة على سحب البساط من تحت أقدام الظّالمين والمستكبرين، وتجعلهم عاجزين عن تقيّد الآخرين بالقيود والسلاسل ؟
وفي محلّ الإجابة على هذا السؤال ، يجب القول : أنّه من المستحيل بمكان تطبيق العدالة في العالم وإحلالها محلّ الظّلم والإضطهاد مادامت الإنسانيّة لم ترجع إلى فطرتها السليمة الأولى ، ووصول العقل والفكر إلى مرحلة التّكامل ، فإذا بقت الحالة كما كانت ، فمن المستحيل أن لايظلم الإنسان أخاه الإنسان .
و بناءاً على ذلك ، فإنّ الإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء ، ومن أجل إستقرار حكومته العالميّة العدالة وإستتبابها ، فإنّه سوف يوجد ويحدث تغيّراً عظيماً في وجود الإنسانيّة نفسها ، ونتيجة ذلك تصل إلى حالة التّكامل ، فتتنفّر بكلّ وجودها من الظّلم والظّالمين ، وتسلك طريق العدل والعدالة .
وهذا التغيير الأساسي إنّما يتحقّق حينما يتحقّق التّكامل في بناء وجود الإنسانيّة ، الأمر الّذي يحرّك عندهم الأفكار وبقيّة القدرات الروحيّة والعقليّة والفكريّة الأخرى ، فتتغيّر عندهم حينئذ النفس الأمّارة ، وسيتمكّنون من الخلاص من هواها وميولها ، ويسعون في تكاملها .
6) الغيبة المرحوم النعماني : 297 .
بازديد امروز : 49052
بازديد ديروز : 232107
بازديد کل : 124025065
|