الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
سرّ السجود على التربة

سرّ السجود على التربة

قال صاحب «موسوعة كربلاء»: السرّ في اختيار التربة من القبر المطهّر أو الحائرفي كربلاء، للسجود عليها في الصلاة، فعدا ما ورد في فضلها وقدسيّتها، وعدا كونها أطيب وأزكى وأنقى وأطهر وأقدس من أية تربة أخرى، وعدا ذلك ممّا ذكرأو لم يذكر، فلعلّ السرّ فيه أيضاً من بعض النواحي الروحيّة، أن يتذكّر المصلّي في‏ معراجه إلى الله في الأوقات الخمسة، ما أصاب الإسلام والدين من قتل الشهيد بن‏الشهيد وأبي الشهداء على يد أعداء الإسلام من الفئة الباغية الّتي ما برحت تكيد للدين والمسلمين في جاهليتها وإسلامها.

فلقد ابتدأ ذلك بقتل سيدالشهداء حمزة عليه السلام، الّذي قضّ مضجع النبي ‏صلى الله عليه وآله وسلم حتّى ‏صلّى عليه أربعين مرّة، مع كلّ شهيد مرّة. ولم يكتفوا بذلك حتّى حاولت هند أمّ ‏معاوية أن تلوك كبد الحمزة بعد أن استخرجتها من صدره الشريف، فلم تستطع‏ مضغها وبلعها، فلفظتها وعملت من كبده أساور وخلاخل تزيّنت بها شماتةً به،لأنّه كان قد قتل أباها عتبة رأس الشرك والكفر في معركة بدر.

ثمّ ختم ذلك بقتل أبي عبدالله الحسين ‏عليه السلام الّذي أخذ يزيد بقتله ثأر معركة بدر، فكان أكثر كفراً وإجراماً من جدّته هند وجدّه عتبة.

وكان قتل حمزة والإمام الحسين ‏عليه السلام محاولة من أعداء الإسلام لاستئصال دعوة النبي‏ صلى الله عليه وآله وسلم، فاتّخذ المسلمون تربته شعاراً يتبرّكون به، ويستشفون بها، إعترافاً بفضل الشهداء على الإسلام، وتخليداً للذكرى أنصار الإسلام، والّذين ماتوا في‏ سبيل الله.

ولمّا قُتل الحسين‏ عليه السلام لإحياء دين جدّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، اتخذ المسلمون تربته شعاراً يسجدون عليها لله تعالى، ليتذكّروا أنّه لولا الحسين ‏عليه السلام لم تكن الصلاة لتقام إلى ‏هذه الأيّام. وكما قال المرحوم الشيخ عباس شرف في ديوانه:

لولا وقوفك بالطفوف

لما وقفنا بالصلاة

فكلّما سجد المصلي لله تعالى على هذه التربة، في مشارق الأرض ومغاربها، اخترقت أما بصره وبصيرته تلك الحجب المادية الكثيفة، الّتي تحجب بينه وبين‏حقيقة الصلاة، الّتي هي معراج المؤمن، من حضيض المادة إلى سماء الحقائق، وعرج بروحه إلى الحضرة الإلهية مقترباً من الله ملتمساً عفوه وثوابه.

وإلى مثل هذا الرأي يذهب أحد أساطين العلم في هذا الوقت، في سرّ السجود على تربة الحسين ‏عليه السلام بقوله: ولعلّ من جملة المقاصد السامية أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ‏والصفوة من أصحابه، في سبيل العقيدة والمبدأ، وتحطيم هياكل الجور والفسادوالظلم والإستبداد.

ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة، وكما في الحديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ‏ربّه حال سجوده» ناسب أن يتذكر المؤمن حال وضعه جبهته على تلك التربة الزاكية، أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق، وارتفعت أرواحهم ‏إلى الملأ الأعلى، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة، كما احتقرها أولئك الشهداء العظام.

ولعلّ هذا هو المقصود ما في الخبر، من أن السجود على التربة الحسينيّة يخرق ‏الحُجب السبع.(1)


 

 

(1) موسوعة كربلاء: 588/2.

    زيارة : 2681
    اليوم : 0
    الامس : 129113
    مجموع الکل للزائرین : 139899889
    مجموع الکل للزائرین : 96447312