الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
ذكر البارئ عزّ وجلّ وأهل البيت عليهم السلام

ذكر البارئ عزّ وجلّ وأهل البيت عليهم السلام

إنّ من الشواهد التي لاتحتاج إلى الكثير من الدلائل والبينات هي أنّ ذكر اللَّه ‏عزّ وجلّ يحيي القلوب، ويبثّ فيها روح السكينة والحياة، ويجليها وينجيها من‏ القساوة، وأمّا الغفلة وترك ذكره وذكر أهل البيت‏ عليهم السلام يجعل القلب مسوّداً ويصاب بالحيرة والضياع، ومن هنا يخاطب البارئ جلا وعلا نبيّه موسى قائلاً:

يا موُسى؛ لاتَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمالِ، وَلاتَدَعْ ذِكْري عَلى كُلِّ حالٍ؛ فَإِنّ‏كَثْرَةَ الْمالِ تُنْسِي الذُّنوُبَ، وَإِنَّ تَرْكَ ذِكْري يُقسِي الْقُلوُبَ.(126)

وجاء هذا الأمر نتيجة أنّ ترك ذكر اللَّه تعالى يجعل الشيطان يسيطر على ‏الإنسان، ويسلب منه الطمأنينة وراحة البال والعيش الرغيد.

يصرح البارئ عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز قائلاً:

«وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرينٌ»(127).

ومن الآثار التي تترتّب على ترك ذكر اللَّه عزّ وجلّ هي نسيان الذنوب وقساوة القلب وتسلّط الشيطان واُمور أخرى كثيرة، وبطبيعة الحال فإنّ الذكر ينجي‏ الإنسان من جميع الأمراض الروحية، ويجلب له الشعور بالإطمئنان والثقة والإيمان، ولابدّ هنا من القول إنّ ذكر أهل البيت‏ عليهم السلام هو من ذكر اللَّه تعالى، وإن ‏نفس الآثار التي تترتّب على ذكره عزّ وجلّ تترتّب على ذكرهم صلوات اللَّه عليهم‏ أجمعين.

قال الإمام الباقر عليه السلام :

إِنَّ ذِكْرَنا مِنْ ذِكْرِ اللَّه.(128)

ولانجافي الحقيقة إذا قلنا: إنّ الوظيفة تحتم علينا ليس ذكرهم فحسب، وإنّما اللجوء إليهم والتوسّل بهم وتقديمهم بين يدي اللَّه جل وعلا في الشدائد والمصائب والمحن التي تنم بنا؛ باعتبارهم سفن النجاة وملجأ وكهف حصين ‏للناس الذين ظلموا، وليس لهم ناصر ومعين.

إنّ أهل الوحي والرسالة عليهم السلام هم من يسمع أصوات وآهات المحرومين ‏الذين تتلاعب بهم أمواج الحياة، وتقذف بهم يميناً وشمالاً فأضناهم وجدهم ‏وآلمهم وهم زفرات المستضعفين الذين تنظر عيونهم  إلى الدرب وهم من‏ ينجي كل صاحب مشكلة، وأيضاً هم من يخلص الأمّة من الفتن التي تعصف ‏بها لذا أنشدت إليهم العيون والأسماع، فيقول أميرالمؤمنين ‏عليه السلام في هذا الصدد:

أَيُّهَا النَّاسُ؛ شُقُّوا أَمْواجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجاةِ.(129)

ويصرّح عليه السلام في رواية أخرى قائلاً :

مَنْ رَكِبَ غَيْرَ سَفينَتِنا غَرِقَ.(130)

ولهذا يجب على الإنسان أن يستعين بهم في جميع المحن والمصائب التي‏ يقع فيها حتّى في المسائل والمشاكل العقدية، وإلّا فإنّ الضلالة والتية هي التي‏ تكون من نصيبهم.

عن مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال :

مَنْ يَطْلُبِ الْهِدايَةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِها يَضِلُّ.(131)

وعلى ضوء ذلك نقول: ما هي عاقبة ومصير أولئك الّذين اتّبعوا ويتبعون ‏أهل الخساسة والرذيلة وحفرة القبور وبائعي الحمير؟

وعادة ما نشاهد أنّ الذين يلجأون في المشاكل والفتن وأعاصير المحن ‏المدمّرة وأمواج البلاء العاتية إلى غير اللَّه تعالى وأهل البيت ‏عليهم السلام سرعان ما ينحرفون عن الجادّة القويمة، وينجرون إلى مجموعة من التناقضات ‏والأكاذيب والخرافات التي لاتمت إلى الدين بصلة فتترتّب عليها آثارٌ بالغة الخطورة، بينما نجد أنّ من يلجأ إلى اللَّه سبحانه وتعالى ويتمسّك بأهل البيت عليهم السلام ‏وطلب العون والمساعدة منهم قد حصن نفسه قبال التية والضلالة والهلكة واستطاع الوصول إلى برّ الأمان.

إنّ الفتنة هي شبيه بالجزر والمدّ، فهو يحرّك السفن والقوارب بنفس الحركة والإرتفاع، ولكنّه التلاطم الحاصل منه لن يغرق جميع السفن، وهذا هو حال ‏الفتن والمشاكل، فمع فداحتها وعظمتها وخطورتها فهي غير قادرة على إهلاك‏جميع الإنسانيّة؛ لأنّ هناك سفناً عظيمة تستطيع إيصال البعض منهم إلى‏ الساحل بأمان وسلامة.

إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى

ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوالِ عليّاً والأئمّة بعده

نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوّض اللَّه أمره

إليهم لما قد خصّهم منه بالمنن

أئمّة حقٍّ أوجب اللَّه حقّهم

وطاعتهم فرض بها الخلق تمتحن

ولانبالي إذا قلنا: إنّ هناك ثلّة من البشر لاتقاوم قبال الفتن والصعاب ‏فحسب، وإنّما تزيد يوماً بعد آخر من مكانتها ومنزلتها وتناطح السحاب في‏ عزّها وكرامتها.

فإذا أراد الإنسان أن يكون في عداد هؤلاء فعليه التمسّك أثناء أعاصير البلاء والفتن وتلاطم أمواج البلايا بسفن النجاة والعروة الوثقى، وهم أئمّة أهل البيت ‏عليهم السلام‏ وعدم التفريط بولايتهم الكبرى والتوسّل بهم للنجاة من كلّ الأباطيل والإنحرافات‏ والشبهات الضالّة.


126) بحار الأنوار: 63/72، نقلاً عن علل الشرايع: 77/1.

127) الزخرف: 36.

128) بحار الأنوار: 468/75.

129) نهج البلاغة: الخطبة الخامسة.

130) شرح غرر الحكم: 184/5.

131) شرح غرر الحكم: 308/5.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2850
    اليوم : 38338
    الامس : 164708
    مجموع الکل للزائرین : 139363148
    مجموع الکل للزائرین : 95910209