نكتة مهمّة
إنّ أئمّتنا عليهم الصلاة والسلام لمّا كانوا في جوّ سياسيّ أسّسته الحكومة الملعونة الحبتريّة(35) لأن لاتنعقد الدولة العادلة العلويّة ، لم يكن لهم مجال لبيان الأسرار الإلهيّة ، لوجود الطغاة الأمويّة والعبّاسيّة ، ولذا قال أوّل من غصب حقّه ، أمير امرة المحقّة ، عليّ بن أبي طالب عليهما السلام :
كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم سرّ لايعلمه إلّا قليل ، ... ولولا طغاة هذه الاُمّة لبثثت هذا السرّ .(36)
فلم يبيّنوا الأسرار للناس ، ولم يبثّوها إلّا إلى قليل منهم من نقبائهم وأفاضل أوليائهم . ولم يمكن لهم إفشاء الأسرار والحقائق المعنويّة لعدم قدرة الناس على التحمّل - لكونهم في الدولة الحبتريّة الّتي تدوم إلى الحكومة الإلهيّة القائميّة ، لأنّ الإمام الصادق عليه السلام قال : « وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ »(37) هي دولة حبتر ، فهي تسري إلى قيام القائم عليه السلام (38) - ، فأوردوا كثيراً منها تحت عنوان الأدعية والمناجاة ، فتحسّسْ عن الأسرار والحقائق فيها .
ثمّ إنّ أهل البيت عليهم السلام لم يكن بيانهم للأسرار في الأدعية والزيارات للجوّ السياسي في عصرهم منحصراً بها ، بل ذكروا مسائل مهمّة من الإعتقادات والمعارف العالية في الدعوات والمناجات والزيارات ، وتظهر هذه الحقيقة بالرجوع إليها .
ومضافاً إلى ما بيّنوه فيها من الأسرار والإعتقادات ، بيّنوا فيها كثيراً من المسائل الّتي لها تأثير أساسي في حياة الإنسان وعلّموا المجتمع البشري أحسن درس من دروس الحياة .
عليك بالدقّة في الصحيفة الكاملة السجّاديّة الّتي أيّد صحّتها الإمام المنتظر أرواحنا فداه حتّى ترى أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام كم بيّن من الحقائق العظيمة في ألفاظ قصيرة بعنوان الدعاء والمناجاة . وبالدقّة في أدعية اُخرى من الإمام السجّاد عليه السلام ومن سائر أهل البيت عليهم السلام تظهر هذه الحقيقة .
فالآن نذكر مثالاً من الدروس الحياتيّة الّتي علّمونا إيّاها في الأدعية :
في المناجاة الإنجيليّة للإمام السجّاد عليه السلام ندعو اللَّه تعالى:
أسألك من الهمم أعلاها.
هذا الكلام تنبيهٌ من الإمام زين العابدين عليه السلام لكلّ من يدعو اللَّه ؛ بمعني أنّ الداعي كائناً من كان وإن كان يعدّ نفسه حقيراً جدّاً ، لابدّ له أن يطلب من اللَّه تعالى أن يعطيه أعلى الهمم حتّى يقدر أن يتحوّل في حياته تحوّلاً عظيماً حتّى يكون لوجوده تأثير أساسيّ في المجتمع . هذه حقيقة تتحقّق في الخارج مع لمعان نور الإمام عليه السلام في قلب الإنسان .
وما ورد عنهم عليهم السلام من الدعوات و... ، هو طور سيناء الولاية ؛ فمن شاء أن يذهب إلى الوادى الأيمن ، ويصعد إلى طور سيناء الهداية ، فعليه بخلع نعليه وتطهير ثيابه ، وتعلّم آداب الدعاء والإستجابة حتّى يرى العناية والإجابة .
هذا ما وصل إلينا من الكتاب والرواية ، فخذه واغتنم ولاتيأس من رَوْح اللَّه « إِنَّهُ لايَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ »(39) ، فكن على ذلك من يقين حتّى ترى النور وتعرف السرّ ، لأنّ الأئمّة عليهم السلام يهدون الناس إلى الأسرار والحقائق بما قالوا في دعواتهم ومناجاتهم .
35) الحبتر كناية عن أوّل غاصب لحقّ الخلفاء الإلهيّة ، البحار : 336/35 .
36) البحار : 306/95 .
37) الفجر : 4 .
38) البحار : 78/24 .
39) يوسف : 87 .
بازديد امروز : 3607
بازديد ديروز : 152531
بازديد کل : 138773598
|